أخبار الموقع

حقيقة أردوغان نصير اللاجئين بالداخل المتاجر بهم في الخارج

أصبح اللاجئون السوريون للأسف أكبر ورقة ضغط لتركيا ضد المجلس الأوروبي الذي تتمتع تركيا بعضويته وقيادات الاتحاد الأوروبي الذي تجري مفاوضات للحصول على عضويته.
فالسياسيون الأوروبيون يرتعدون – إن صح التعبير- من احتمالية تدفق نحو 3 ملايين لاجئ احتموا بتركيا هربًا من الحرب المندلعة في سوريا ومن الأوضاع في العراق على أوروبا. ومع اقتراب الانتخابات في العديد من الدول الأوروبية وتزايد أصوات الأحزاب المعادية للاجئين يوميا يتبين أن تدفق اللاجئين سيكون له تأثيرات سياسية مباشرة.
أما تركيا التي حسبت هذا الوضع جيدًا، فتسوّق اللاجئين السوريين في الداخل كأخوة “المهاجرين والأنصار”، بينما تستغلهم في الخارج كأداة ابتزاز في العلاقات مع أوروبا. واتبعت تركيا الاستراتيجية عينها تجاه الدعوات المتصاعدة في أوروبا لإنهاء مفاوضات العضوية مع تركيا عقب صدور تقرير التقدم الأخير للاتحاد الأوروبي الخاص بتركيا واعتقال نواب من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بالبرلمان التركي.
أردوغان يهدد أوروبا بإرسال اللاجئين
ففي حديثه مع قناة الجزيرة “التركية” جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداته قائلا: “انظروا، تركيا حاليا تأوي 3 ملايين لاجئ، وهؤلاء اللاجئون يمكنهم التوجه والسير مباشرة إلى أوروبا. لذا يجب على الاتحاد الأوروبي دعم تركيا في الوقت الذي تأوي فيه 3 ملايين لاجئ. وإن توجه هؤلاء اللاجئون إلى أوروبا ستُصدم أوروبا حيال ما سينبغي عليها فعله حينها”.
خلال العام الماضي دار الحديث في أثناء المفاوضات المتعلقة باللاجئين السوريين عن منح تركيا مساعدات مادية بقيمة 3 مليارات يورو وإعفاء مواطنيها من تأشيرات دخول دول الاتحاد الأوروبي.
في فبراير/ شباط الماضي كانت تسربت إلى وسائل الإعلام كيف يهدد أردوغان مسؤولي الاتحاد الأوروبي علانية بإرسال اللاجئين إليهم في محاضر الاجتماعات الخاصة بـ”المساومة” التي جرت بين الطرفين.
حسنا، لماذا يشعر الأوروبيون بهذا الكم من القلق تجاه اللاجئين؟ هل المشكلة الوحيدة هى عداء الأجانب المتزايد بمرور الوقت؟
تدفق اللاجئين على أوروبا من دول الشرق الأوسط وأفريقيا ليس بالأمر الجديد. لكن توزيع أكثر من نصف سكان سوريا على العالم بسبب الحرب الأهلية ورغبة جزء كبير منهم في العيش داخل أوروبا يحمل مخاطر متعددة بالنسبة للأوروبيين. فالأوروبيون يعتقدون أن اللاجئين سيحضرون معهم الجرائم الجنائية وسيعجزون عن التكيّف مع المجتمع حتى ولو أثبتت الإحصائيات عكس هذا.
كما يوجد بُعد مادي للأمر. فعلى سبيل المثال ألمانيا تنفق نحو ألف يورو شهريًا على كل لاجئ. فبلوغ اللاجئين المتعلمين الذي يمكنهم تقديم إسهامات للمجتمع وتعلم اللغة والعثور على عمل دائم يستغرق نحو ثلاث أو أربع سنوات. أما غير المتعلمين فيمضون حياتهم داخل أحياء الأقليات أو في أعمال غير آمنة. في حين تثير استفادتهم من المساعدات الاجتماعية خلال تلك الفترة غيرة الطبقة المتوسطة من الأوروبيين.
كل مشكلة يتسبب فيها اللاجئون أو يتم إظهار اللاجئين سببًا لها تعني فقدان الأحزاب المركزية مزيدًا من الأصوات واكتساب الأحزاب المتطرفة مزيدًا من القوة. في الواقع مسؤولو الاتحاد الأوروبي كان يدعمون الإبقاء على المساومة مع تركيا حول اللاجئين سرية. لكن رغبة أردوغان في استخدام هذه القضية في الرأي العام الداخلي وحديثه بنبرة عالية خلال اللقاءات الجماهيرية عن ملء الحافلات باللاجئين وإرسالهم إلى أوروبا أحدث رد فعل مجتمعي داخل أوروبا.
فضلاً عن ذلك، فإن تزايد الاسبتداد في تركيا بمرور الوقت واعتقال الصحفيين والسياسيين وإسكات المعارضة والاستيلاء على المؤسسات الإعلامية والشركات والسيطرة تمامًا على القضاء تسبب في رفع الرأي العام الأوروبي مستوى ضغوطه عليها. وبات الرأي العام الأوروبي يرى المساومة الخاصة باللاجئين التي بدأت مع رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو في أجواء متفائلة على أنها انحناء أمام أردوغان.
ولقراءة نظرة أوروبا الحالية تجاه تركيا قراءة صحيحة لابد من النظر إلى ألمانيا. فألمانيا كانت معارضة منذ البداية منح تركيا عضوية كاملة،مع عدم تحطيم الجسور معها تمامًا. وأهم أسباب ذلك هو العلاقات التاريخية بين الدولتين ووجود نحو 4 ملايين تركي داخل ألمانيا.وخلال الأعوام الأخيرة أضيف مليون لاجئ سوري إلى هذا الرقم.
أنجيلا ميركل قامت بإرجاء تقرير التقدم السنوي للاتحاد الأوروبي الخاص بتركيا إلى ما بعد انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني التركية في 2015 وأبقت على الأجواء بين البلدين دافئة بزياراتها المتكررة إلى تركيا مقابل موافقة تركيا على أن تصبح “منطقة عازلة” للاجئين.
لكن الهجوم الأخير على صحيفة جمهوريت المعارضة أخرج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن صمتها الذي استمر لفترة طويلة وجعلها تُصرِّح قائلة: “الأحداث الجارية في تركيا تُنذر بخطورة كبيرة. كما أن الواقعة الأخيرة تعكس هذا التطوّر المُحزِن”.
حتى الآن كانت ميركل ترى أنه لابديل للاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع تركيا التي تأوي أغلب اللاجئين القادمين إلى أوروبا. ولهذا السبب التزمت الصمت لفترة طويلة تجاه تهديدات الخارجية التركية بفسخ الاتفاقية مع تزايد الأصوات الرافضة في أوروبا. وكان يتم إرجاء تاريخ إعفاء الأتراك من تأشيرات دخول دول الاتحاد الأوروبي باستمرار نتيجة لعدم تنفيذ تركيا 65 معيارًا من أصل 72 معيارًا. لكن الانتقادات المتصاعدة الواردة من السياسيين الأوروبين تظهر أن العمر الافتراضي لورقة اللاجئين التي تستغلها تركيا انتهى تمامًا.
كما أن وزير الدفاع النمساوي هانس بيتر دوسكوزيل لمّح إلى هذا في تصريحاته بقوله: “دائمًا ما ذكرت أن الاتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي هى حل مؤقت لحين وقف تدفق اللاجئين وأن الاتحاد بدأ يحمي حدوده بطريقة فعالة”.
وتطرق وزير دفاع النمسا التي تتصدر قائمة الدول التي طالبت بشدة بوقف المفاوضات مع تركيا إلى الأحداث الأخيرة في تركيا قائلا: “تركيا في طريقها إلى الديكتاتورية ونحن لن نغضّ طرفنا عن تهديدنا من قبل أردوغان”.
تعمل أوروبا على اتخاذ بعض الإجراءات بداخلها لمنع تدفق اللاجئين. وبدأت كل من النمسا والمجر وألمانيا وفرنسا والسويد والدنمارك بفرض رقابة على حدودها على الرغم من اتفاقية الشنجن التي تنص على حرية التنقّل بين دول الاتحاد الأوروبي.
وبدأت بعض الدول بتخفيف الرقابة على حدودها ثقة منها في اتفاقية اللاجئين مع تركيا، بينما لاتزال بعض الدول مثل السويد تواصل تشديد الإجراءات على حدودها. فالأحزاب السياسية المركزية في هذه الدول لاتريد فقدان مزيدٍ من الأصوات بسبب قضية اللاجئين.
الخضوع لابتزازات أردوغان شوهت صورة أوروبا
وعلى الجانب الآخر، لا يبدو ممكنا أن يصلح ويلمّع الأوروبيون سمتعهم وصورتهم المشوهة بسبب خضوعهم لابتزازات أردوغان.
لا شك في أن اللاجئين هم أكثر من تجرح مشاعرهم بسبب هذه المفاوضات والحملات السياسية. فاللاجئون الراغبون في العبور إلى أوروبا أيًا كانت حجتهم أوضحوا أنهم لا ينعمون بحياة إنسانية في ظل الإدارات الاستبدادية بدول الشرق الأوسط التي لجأوا إليها. أما الغضب المتزايد في أوروبا تجاه اللاجئين بمرور الوقت يجعلهم متردِّدين عاجزين عن حسم موقفهم.

ليست هناك تعليقات