أخبار الموقع

ازدواجية المعايير.. التعاطي التركي مع القضية الكردية في المنطقة

بقلم د. فرناز عطية
لم تسر علاقة تركيا بالأكراد على وتيرة واحدة بل اتسمت بالازدواجية، ففي الوقت الذي تتعقب فيه السلطات التركية الأكراد في تركيا بالقمع والاعتقال، وتضييق الخناق عليهم، هذا بالاضافة إلى المواجهات المستمرة والتي تحتدم بين تركيا وأكراد سوريا بين الحين والآخر، إلا أننا نجد الأمر مختلفًا عند الحديث عن علاقة تركيا بأكراد العراق والتي شهدت في الآونة الاخيرة نوعًا من التفاهم التعاون.
أولا: أوضاع الأكراد في تركيا
ازدادت الأعمال العدائية الموجهة ضد الاكراد من قبل الحكومة التركية، حيث شهدت تركيا مع مطلع شهر نوفمبر سلسلة من الاعتقالات طالت 11 نائباّ كردياّ ، فقد تم اعتقال صلاح الدين دميرتاش وفيجان يوكساك داغ  الرئيسين المشاركين لحزب الشعوب الديمقراطي ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان التركي، بتهمة الترويج لحزب العمال الكردستانى، وتحريض الشعب على كراهية النظام، وتهديد وحدة الدولة التركية، كذلك تم اعتقال سليم ايبار القيادي البارز في نفس الحزب في محافظة هكاري، كما طالب أردوغان في اجتماعه مع الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي في 21 نوفمبر2016  بدعم الجهود التركية في مواجهة حزب العمال الكردستاني، على أساس أنه حزب إرهابى ، كما تقوم الحكومة التركية بعمليات قصف جوى مستمرة فى جبل قنديل حيث يتحصن مقاتلو حزب العمال ومحافظة هكاري ذات الأغلبية الكردية، مما أسفر عن مقتل العديد من الأكراد فضلاّ عما تحدثه من دمار، ومما أدى بدوره الى تعهد الحزب بتصعيد الصراع ضد الدولة التركية.
ويذكر أن تركيا نقضت ما اتفق عليه من محاولات للسلام بعد مفاوضات شاقة تمت مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان بمعرفة المخابرات التركية، كما تجاهلت العديد من محاولات التهدئة التي طرحها الأكراد ومنها رسالة السلام لأوجلان في 2015 بالتخلى عن العمل المسلح، فى مقابل تحقيق بعض المطالب الكردية، وانهارت مرحلة الهدنة القصيرة بين أنقرة والحزب، ويمكن تفسير الموقف التركي بعدة أمور أبرزها::
أولا: التخوف من بروز حزب الشعوب الديمقراطى كحزب للمكونات غير التركية فى تركيا وبالتالى يصبح منافساّ لحزب العدالة وللتنمية، خصوصاّ أن انتخابات يونيو 2015  شهدت تراجعاّ في شعبية الأخير بسبب سياسات أردوغان، و يشكل الأكراد بمن فيهم حزب الشعوب حجر عثر في طريق محاولات أردوغان تحويل تركيا من جمهورية برلمانية الى جمهورية رئاسية، كما تعتبر السلطات التركية أن الأكراد يشكلون  مصدرًا دائماّ لتهديد الأمن القومي ووحدة الأراضي التركية.
ثانيا: الموقف التركي من أكراد سوريا
لايختلف الأمر كثيراً عند الحديث عن موقف تركيا من أكراد سوريا، فقد قصف سلاح الجو التركي في 23 اكتوبر 51 موقعًا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في إطار حربها على تنظيم داعش رغم أن وحدات حماية الشعب الكردية التابعة للحزب تصدت للتنظيم الارهابي في كوباني، كما تم إطلاق عملية “درع الفرات” في اغسطس 2016 التي شارك فيه مقاتلون من العرب مع الجيش السوري الحر مدعومين من تركيا،  ويمكن تبرير الموقف التركي تجاه أكراد سوريا استنادًا إلى عدة عوامل هي:
التهديد الذي يشكله أكراد سوريا على وحدة تركيا وفي مقدمتهم الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقره تابعًا لحزب العمال الكردستاني والمؤيد لاستقلال الأكراد، فأى تقدم سياسى يحرزه الأكراد فى أى منطقة سيؤجج المشاعر القومية لأكراد تركيا، وقد حدثت بالفعل تطورات سياسية لهم، فقد أعلنوا  إقامة إدارة ذاتية مؤقتة في المقاطعات الكردية الثلاث شمال سوريا اثر انحسار النظام السوري والتي تضم كوباني (ريف حلب الشمالي) وعفرين (ريف حلب الغربي) والجزيرة (الحسكة)، بالإضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية في محافظتي الحسكة شمال شرق سوريا وحلب ، وتطورت تلك الإدارة فيما بعد إلى إعانها فيدرالية لشمال سوريا أطلق عليها فيدرالية “روج آفا” أي غرب كردستان.
رغبة أنقرة في إنشاء منطقة حظر جوي شمال سوريا بعد اخراج داعش من المنطقة الحدودية، والسعي للاستيلاء على منطقتي الباب ومنبج بما يسمح بالتواجد التركي في منطقة حلب الريفية ومحاولة تأسيس منطقة شمال غرب سوريا يتركز فيها العرب والتركمان الموالين لأنقرة، لضمان مصالحها والتصدي لنظام الأسد.
في حال سيطرة الجيش الحر المدعوم من تركيا على منطقتي الباب ومنبج فسيعزز ذلك التواجد التركي في حلب التي تشكل أهمية جيواستراتيجية للأطراف المتنازعة في سوريا وكذا توسع النفوذ التركي نحو الرقة وبالتالي الوصول إلى الحدود العراقية.
ثالثا: التقارب التركي مع أكراد العراق
تتخذ العلاقات التركية بأكراد العراق منحى مختلفا، حيث تشهد نوعاّ من التحالف والتعاون، ويبرز ذلك في العلاقة بين أنقرة و مسعود البرزاني زعيم الحزب الوطني الكردستاني ورئيس الإقليم وقائد قوات البيشمركة والمسيطر على حكومة الاقليم، وهو ما يحقق مصالح متبادلة لدى كل من أنقرة وأربيل، حيث تعزز من سلطة البرزاني في الإقليم في مواجهة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذى يتزعمه جلال الطلبانى، حليف إيران والذي يرتبط بعلاقات وثيقة بحزب الاتحاد الديمقراطي فى سوريا وبوحدات حماية الشعب ، كما أن علاقة هذا الحزب بحزب العمال الكردستانى جيدة ، وبالتالي فإن تركيا لعبت على المتناقضات الداخلية بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة كردستان العراق من خلال استبدال  تركيا الوحدة المتمركزة منذ سنتين في معسكر زليكان شمال العراق بالقرب من منطقة بعشيقة على بعد 23 كم من مدينة الموصل شمال العراق بـ150 جنديا مصطحبين عتادهم ودبابتهم  مما تسبب في أزمة بين بغداد وأنقرة، ويذكر أن تواجد هذه القوات جاء بناء على طلب محافظ نينوى “أثيل النجيفي” وحكومة اقليم كردستان العراق في نطاق التعاون بين حكومة كردستان وتركيا لتدريب قوات البيشمركة وقوات الحشد الوطني لتحرير الموصل من تنظيم داعش ،إلا أن السلطات التركية وكما تؤكد الحكومة العراقية لم تتفق معها بل ولم تحطهاعلماّ بهذا الأمر مما اعتبرته بغداد خرقا وانتهاكا لسيادة العراق ودعت القوات التركية الى ضرورة مغادرة شمال العراق.
ومن الواضح أن هناك حرصاّ تركياّ على ضرورة أن يكون لها موطأ قدم فى الشمال العراقى ، وبما يساعدها فى إجهاض  أى محاولات كردية لتوسيع مناطق نفوذهم ، والتى لاحت بشائرها بإعلان أكراد العراق بأن المناطق التى حرروها من داعش فى معركة تحرير الموصل هى من المناطق المستقطعة من إقليمهم والتى عادت إلى أحضان الإقليم وفق مقولتهم(الحدود يرسمها الدم)، ويشكل ضم تلك المناطق لإقليم كردستان العراق تهديدًا للمصالح التركية في المنطقة خاصة في ظل الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وقد قال أردوغان (إننا لن نسمح بقنديل آخر فى سنجار).
كما أن تركيا فى إطار رغبتها في إنشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا تسعى لمنع تدفق المقاتلين الأكراد من شمال العراق إلى شمال سوريا عن طريق عزل منطقة روج آفا في سوريا عن كردستان العراق، وإلى جانب سعيها لتأمين مصالحها الاقتصادية في شمال العراق وذلك عن طريق حماية خطوط النفط في شمال العراق الممتدة الى الموانئ التركية، خاصة بعد اعلان أنقرة ربطها لأنابيب حقول النفط التابعة لحكومة كردستان مع الخط العراقي الممتد حتى الموانئ التركية على البحر المتوسط.
ويذكر أن أنقرة تدعم المقاتلين الأكراد المحسوبين على بارازاني رئيس إقليم كردستان على خلفية اتفاقيات نفط تمت بين الجانبين تتخوف تركيا من إسقاطها بعد تغيير النظام في الإقليم، وكذلك تسعى تركيا لإضعاف وتطويق حزب العمال الكردستاني من خلال التواجد في المناطق التي يلوذ بها شمال العراق.
وبشكل عام فإن علاقة الأكراد بتركيا تتوقف على الرهانات التي تعقدها أنقرة كقوة إقليمية تسعى لحماية مصالحها والتأكيد على أنها شريك لايمكن تجاهله من أي تغير يطرأ على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة سواء من خلال الصراع أو التقارب فصيل كردى دون آخر.

ليست هناك تعليقات