أخبار الموقع

الثقافة عند المفكر القائد عبد الله أوجلان (2)

صلاح الدين مسلم
 نبدأ بقول القائد عن الثقافة: (لا يمكن الحديث عن المجتمع بحدّ ذاتِه باعتباره وجود، إلّا بوجود أرضية مؤسساتيّة ومعنى جوهريّ له) من هنا نستطيع الانطلاق في هذه النظريّة المجتمعيّة، فالمجتمع الذي لا يمتلك الأرضيّة المؤسّساتيّة هو مجتمع غائب، ولن تستطيع أيّة مؤسّسة من مؤسّسات الدولة أن تعبّر عن المجتمع، وهناك صراع ما بين الدولة التي تريد أن تُمرِّر خطابها عبر المؤسّسات الّتي تستحدثها، وبين المجتمع الساعي إلى مأسسة معانيها أو روحها، وبالتالي فالمجتمع الفاقد مؤسّسته هو فاقد هويّته بالضرورة، لذلك يؤكّد القائد بقوله: (عندما يكون المجتمع موضوعَ الحديث، فإنّنا نعرّف الثقافة بالمعنى الضيق بأنّها عالَم المعنى لدى المجتمع، وقانونه الخُلُقيّ) فعالم المعنى الذي يقصده؛ هو هويّة المجتمع، ولا معنى لهذه الهويّة دون مؤسّسة تحتضن هذه الهويّة، وعندما لا يؤسّس المجتمع معانيه ضمن مؤسّسات تستطيع أن تستوعب وتحتويّ وتجمع وتنظّم تلك المعاني المبعثرة عبر تاريخ الدولة الذي شوّه كلّ تلك المعاني، فعلى سبيل المثال هناك سير ذاتيّة عربيّة كسيرة الزير سالم على سبيل المثال لا الحصر، استطاع المنقّبون في هذه السيرة تحليل الشخصيّة العربيّة من كلّ النواحي، واستطاع المحلّلون أن يستنبطوا التاريخ من هذه السيرة، ويفكّكوا الفكر العربيّ، ويحلّلوا معظم المعاني في المجتمع العربيّ وذلك عبر مؤسّسات مجتمعيّة استفادت من هويّة الدولة القوميّة العربيّة، لكن لم تستطع الشعوب الأخرى كالشعب الكرديّ مثلاً التنقّيب عن تلك المعاني في ملحمة دوريشى عفدى على سبيل المثال، ولم تُكتب هذه الملحمة حتّى الآن ولم يُحلّل التاريخ الكرديّ بها.
ومن أخطار الدولة القوميّة على الشعوب التي يُطلق عليها لفظ أقلّيّة هي مسألة الإبادة الثقافيّة، وتزييف ثقافة الشعب الذي يُطلق عليه الشعب الواحد، فالدولة القوميّة في سوريا مثلاً؛ عملت على إبادة الشعوب غير العربيّة، وعملت على تشويه الحقيقة العربيّة، لذلك وصلت العروبة إلى مرحلة التقديس ونفي كلّ القوميّات الأخرى، ويمكننا تعريف مصطلح (الإبادة الثقافيّة) بأنّه تحطيم كلّ المؤسّسات غير المنتمية إلى العروبة، وقولبة المجتمعات كلّها وفق هذه المؤسّسة الدولتيّة، فلا يمكننا تسمية المجتمع الكرديّ إلّا بـ”المجتمع القابع تحت نير الإبادة الثقافية” كما يوضّح ذلك القائد.

ونختتم هذا المقال بقول القائد: (لتعريف مجتمع ما ثقافياً، يُشترَط حتمياً تقييمُه ضمن تكامُل كلياتيّ على صعيد المؤسساتيّة والمعنى) من هنا يمكننا البحث في ماهية التكامل الكلياتيّ، فالكلياتية تعني أن يكون التكامل بين البُنى والمعنى تكاملاً غير ناقص، وغير غريب عن ماهيتَي البُنى والمعنى، فالروح الموجودة لدى المجتمع يجب أن تكون متناسبة ومتوافقة مع المعنى، فمفردات التراث أو إحياء التراث، أو تجديد التراث التي كانت سائدة في فترة النهضة العربيّة حتّى الآن هي عملية التناسب تلك، ويمكن للمجتمعات من خلال عملية إحياء التراث أن تُجدّد تلك الروحَ النائمة.

ليست هناك تعليقات