الثقافة عند المفكر القائد عبد الله أوجلان (1)
عندما نقرأ هذا التعريف للمفكر القائد عبد الله أوجلان للثقافة: “هي مجموع كينونات المعاني والبُنى التي كوّنها المجتمع البشريّ على مدار السياق التاريخيّ.” نجد أنّنا أمام مصطلحات عدّة؛ وهي الكينونة والبُنى والمعاني والسياق، فالكينونة هي الحياة والوجود بوجوده الذاتيّ والموضوعيّ لأيّ وجود ما، وليس بوجوده الشكليّ فحسب، فالإنسان لديه كينونة لقدرته على إدراك ذاته، فهو الكائن الوحيد دوناً عن كلّ المخلوقات الذي يدرك ذاته. وجميع نواحي الحياة لها أسسها في الكينونة، فالكون والكونيّة والتكوّن والتكوين والكائن والكيان… من نفس الجذر الذي يدلّ على الخلق والوجود بكلّ معانيه وليس بمعناه الشكلي فحسب كما أسلفنا، وإنّما بوجوده المعنويّ الروحيّ.
أمّا البُنى فهي المؤسّسات المجتمعيّة المنفتحة على التطوّر كمؤسّسة الثقافة والفنّ في روج آفا على سبيل المثال، والمؤسّسة هنا تعني التأسيس أي القاعدة والبناء والتأطير غير الدوغمائيّ، كوضع صورة ما في إطار، وهنا يكون الإطار جزءاً من المعنى، أي يجب أن يكون هناك تناسق ما بين البنية والمعنى، فنحن نشرب القهوة في الفنجان والماء في القدح وليس العكس، وعندما يكون المجال مؤسّسة اجتماعيّة ما فإنّنا نعني بذلك الروح والمعاني المجتمعيّة غير المؤطّرة في كيان، وعلى المجتمع الأخلاقيّ السياسيّ أن ينظّم معانيه المُسالة في كيان جامع أو مؤسّسة تجمع هذه الروح المجتمعيّة، فروح القضاء على سبيل المثال كانت موجودة في مؤسّسة المضافة التي كانت تصلح بين أفراد المجتمع بروح الصلح، وعندما بدأت الدولة تقوى على حساب المجتمع، بدأت تنهب مؤسّسات المجتمع شيئاً فشيئاً، إلى أن اختزلت المؤسّسات في نفسها.
فالبنية هي الاستعداد الفطري والمكتسب للمقاومة عن هذه الروح، وهي القوام والتركيب، فالإنسان ضعيف البنية هو الإنسان الضعيف صحّيّاً، والبنية التحتيّة للدولة هي التجهيزات الأساسيّة التي تقوم بها الحكومة كتعبيد الطرق والكهرباء والماء والصرف الصحّي… فالبنية هي البناء والتركيب أي أنّ هناك تخطيط ووعي للإنشاء، ولابدّ أن يكون الباني ملمّاً بالمعنى الذي سيؤطّره في بنية ما، فعلى سبيل المثال فالخبير بالشؤون العسكريّة هو الأقدر على بناء المؤسّسة العسكريّة، كذلك فإنّ الفنان هو الأقدر على بناء المؤسّسة الفنّيّة، وقد يكون الفرد ملمّاً بعدّة مجالات وذلك أقدر على بناء تلك المؤسّسة لتكون متصالحة وملائمة للمؤسّسات الأخرى، وهنا نطرح موضوع التخصّص الذي يفترضه نظام الحداثة الرأسماليّة، وهو على عكس نظام المجتمع الديمقراطيّ الذي يفترض أن يكون الفرد ملمّاً بكل البُنى والمعاني، وهذا جوهر المؤسّسات الديمقراطيّة، فقد كان العالم قديماً ملمّاً بالطبّ والفلسفة والموسيقا واللغة والفلك… والأمثلة كثيرة في هذا السياق.
ليست هناك تعليقات