الثقافة عند المفكّر عبد الله أوجلان (3)
صلاح الدين مسلم
“إنّ الحديث محال هنا عن معنى مجتمع ما، أو عن ثقافته الضيقة، بعد بعثرته مؤسساتياً. والمؤسسة في هذه الحال كالكأس المليئة بالماء. واضح جلياً أنّه لا يمكن الحديث عن وجود الماء بعد تحطّم الكأس. حتّى إن أمكن، فهو لَم يَعدْ ماءً بالنسبة لصاحب الكأس، بل هو عنصر حياة متدفقة في تربة أو إناء أناسٍ آخرين”.
بهذا المقتطف من قول المفكّر عبد الله أوجلان نفتتح مقالتنا هذه، إذْ يقودنا هذا القول إلى تعريف دقيق للبنى الثقافيّة المجتمعيّة المبعثرة، والتّي أدّت بالضرورة إلى بعثرة المعنى، فالغاية من بعثرة مؤسّسات المجتمع هي القضاء على تلك المعاني المجتمعيّة، كسرقة التراث الكرديّ من قبل الدولة التركيّة على سبيل المثال، وتشويهه من خلال تطعيمه بالهوب والروك والأرابيسك وإلى ما هنالك من تطعيمات سطحيّة مهجّنة، فعلى سبيل المثال استطاع المطرب ابراهيم تاتليس أنّ يشوّه التراث الشعبيّ الكرديّ وأمثاله كُثُر، وبما أنّه لا توجد مؤسّسة ثقافيّة مجتمعيّة تستطيع إحياء التراث، لذا تلاشت تلك المعاني المجتمعيّة.
فمن هنا يضمحل المجتمع رويداً رويداً ويتلاشى ولا يبقى منه إلّا الاسم، عبر امتداد تاريخ الإبادة الثقافيّة المنهالة على المجتمع، صحيح أنّ المعاني تظلّ مرافقة للمجتمع لكنّها معانٍ مدفونة، والدولة القوميّة قادرة عبر عمرها الذي وصل إلى القرن في الشرق الأوسط من تذويب كلّ المجتمعات في محرقة اللغة الواحدة والشعب الواحد والعلم الواحد والوطن الواحد.
إنّ المجتمعات كلّها مجتمع اللغة القوميّة الأساس لتلك الدولة القوميّة؛ كالثقافة العربيّة في سوريا والعراق والتركيّة في تركيا والفارسيّة في إيران… قد مرّت عبر مقصلة الانصهار الثقافيّ، فعلى سبيل المثال تبعثرت الثقافات الكرديّة والسريانيّة والتركمانيّة والشركسيّة… في الدولة السوريّة، وتألّهت بالمقابل الثقافة العربيّة التي صارت مؤسساتها البنيويّة أكبر من حجم المعاني العربيّة المجتمعيّة بكثير، فالتشويه قد طال الثقافة العربيّة أيضاً من خلال تزييفيها، فابتعدت هي أيضاً عن الحقيقة، فصارت كأسُ الثقافة العربية إبريقاً أضحى الماء ملوّثاً فيها، وانكسرت كؤوس الثقافات الأخرى.
ليست هناك تعليقات