أخبار الموقع

من هو الداعشي غولن أم أردوغان؟!

كان الأستاذ فتح الله غولن قد حذّر محبيه في درسٍ ألقاه في 23 من أبريل / نيسان المنصرم من المخططات الرامية إلى افتعال ربط بين المنتسبين إلى حركة الخدمة أو المتعاطفين معها وبين بعض التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، عقب عدم اقتناع العالم بوقوف هذه الحركة وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف العام المنصرم.
وقال غولن في هذا الدرس: “كما ذكرت في الدرس السابق –وأنا العبد الفقير – أنكم قد دأبتم على إدانة الإرهاب منذ زمن بعيد. وقلتم خمسين مرة إن داعش وبوكو حرام والقاعدة ومنظمة المرابطين ومنظمات أخرى غير معروفة.. “منظمات إرهابية”. ورغم أنكم أكدتم مرارًا وتكرارًا أن “الإرهابي لا يمكن أن يكون مسلمًا”.. ورغم أنكم رددمتم دومًا “المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيًّا”.. نعم، رغم كل ذلك، إذا خرج هؤلاء وقالوا “لقد حاولنا الإساءة إلى سمعتهم؛ لكن محاولاتنا باءت بالفشل، لو غيرنا خطتنا وقلنا هذه المرة “إنهم داعشيون” فماذا ستكون النتيجة يا ترى؟!” أرجوكم  لا تتفاجؤوا..!”.
موقع “الزمان” يكشف خطة أردوغان قبل شهر
كان موقع “الزمان التركية” الناطقة بالعربية نشر خبرًا تحت عنوان “أردوغان يطالب الدول العربية بتسليم معارضيه بعد إدراجهم في قائمة الدواعش”، خلال الشهر الفائت، كشف فيه هذا المخطط الذي يستهدف اختلاق علاقة بين الحركة وتنظيم داعش قائلاً: “لما عجز أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية عن إقناع العالم بالربط بين حركة الخدمة وتنظيم داعش، عمدوا هذه المرة إلى إدراج أسماء المتعاطفين معها ضمن قوائم عناصر تنظيم داعش الإرهابي، ثم بدؤوا يطالبون الدول العربية والإسلامية، بتسليمهم لهم تمهيدًا لاعتقالهم وإيداعهم السجون في تركيا”. ثم واصل الموقع بعد ذلك قائلاً: “وفي هذا الإطار، أجرت السلطات الأمنية في “إحدى الدول العربية” خلال الأسابيع الماضية عملية ضد عناصر تنظيم داعش بإشعارٍ من السفارة التركية الموجودة على أراضيها، أسفرت عن إلقاء القبض على 75 متهمًا بالإرهاب من 11 جنسية مختلفة، بينهم 16 شخصًا من المواطنين الأتراك، وهم كذلك يواجهون تهمة الانتماء إلى داعش، لكن ليس لهم أي علاقة بهذا التنظيم الإرهابي في الحقيقة. وكشفت مصادر مطلعة أن السفارة التركية في هذه الدولة العربية المذكورة – التي يحتفظ موقع الزمان باسمها – ضمت أسماء 16 شخصًا من المتعاطفين مع حركة الخدمة إلى قوائم تنظيم داعش التي سلمتها للأمن في تلك الدولة، وهو قام بدوره بتنفيذ عمليةٍ اعتقلهم مع العناصر الإرهابية على أنهم إرهابيون مثلهم، مؤكدة أن تلك الدولة تستعد الآن لترحيل هؤلاء الأتراك إلى تركيا ليتم اعتقالهم بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب”.
موقع “الزمان” لم يكشف في البداية اسم هذه الدولة العربية واكتفى بالقول “إحدى الدول العربية التي نحتفظ باسمها”، وذلك حرصًا وحفاظًا منه على سمعة تلك الدولة من جانب، ومن جانب آخر لتنتهي الإجراءات القانونية وتظهر الحقيقة. ثم سقط هذا الموضوع من الأجندة، وتابع الموقع تطورات هذا الملف دون الكشف عنه للرأي العام، إلى أن شهد الأسبوع الأخير حادثتين مهمتين، كان لهما صدى واسع على الصعيدين المحلي والعالمي، الأولى حادثة اعتقال ثلاثة مواطنين أتراك على صلة بحركة الخدمة في ماليزيا، والثانية حادثة ترحيل المملكة العربية السعودية 16 مواطنًا تركيًّا مع أفراد أسرهم المتمتعين بالإقامة القانونية إلى تركيا.
ماليزيا والسعودية ترضخان لضغوط أردوغان
الحادثة الأولى طفت إلى السطح الأربعاء الماضي (3 مايو / أيار الجاري)، عندما ظهرت لقطات سجلتها كاميرات المراقبة، وتضمنت مبادرة 5 أشخاص ماليزيي الجنسية بمظهر غريب جدًا إلى اختطاف تورجاي كارامان؛ مدير مدرسة دولية تابعة لحركة الخدمة من أحد مواقف السيارات، في خطوة هي الثانية من نوعها في ماليزيا.
ولما انتشرت هذه اللقطات في الإعلام الاجتماعي انتشار النار في الهشيم خلال مدة وجيزة، وكذلك لما تداولتها وسائل إعلام دولية، في مقدمتها صحيفة الجارديان البريطانية، اضطرت السلطات الماليزية إلى الإدلاء بتصريحات صدمت العالم كله، حيث كانت التهمة الموجهة إلى الأتراك المتعاطفين مع حركة الخدمة هي الانتماء لداعش! لكن السلطات الماليزية هي أفضل من تعرف أن إثبات هذه التهمة وإقناع العالم بها ليس بالأمر السهل، نظرًا لأن حركة الخدمة أو الأستاذ فتح الله غولن عُرف منذ القديم باستنكاره بأشدّ العبارات كل أشكال العنف والإرهاب ولم تلجأ إليهما حتى في أحلك وأقسى الظروف التي تعيشها الآن في تركيا. وعندما نشرت صحيفة الجارديان صورة جمعت بين مدير مدرسة الخدمة تورجاي كارامان المعتقل (المختطف) ورئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق باتت الحكومة الماليزية في موقف حرج جداً، بحيث لم تجد بدا من الإدلاء بتصريحات قالت فيها: “التحقيقات مستمرة، مع أنهم مرتبطون بداعش، لكن إذا ثبت أن هذا الارتباط ضعيف فإننا سنفرج عنهم”، ما اعتبره محللون اعترافًا صارخًا بانتهاكها لمبدأ “قرينة البراءة” و”الأصل البراءة حتى تثبت الجريمة”.
وتطرقت الصحافة العربية إلى الموضوع أيضًا، بينها موقع “سكاي نيوز عربي”، في خبر بعنوان “هل أجبرت تركيا ماليزيا على اعتقال كرامان؟”، أشار فيه إلى احتمالية رضوخ ماليزيا لضغوط تركيا.
من جانبه، عبر مكتب مركز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنوب وشرق آسيا عن قلقه البالغ من اعتقال ثلاثة مواطنين أتراك والاستعداد لترحيلهم إلى تركيا قائلاً: “نحن قلقون جدًا من أن يكون هؤلاء الأتراك مستهدفين بسبب علاقتهم المزعومة مع حركة الخدمة التي تتهمها السلطات التركية بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل”، داعيًا السلطات الماليزية إلى إجراء محاكمة عادلة وشفافة. وقال في بيان نشره في حسابه على كل من تويتر وفيسبوك “يجب على السلطات الماليزية ألا تخضع للضغوطات التي تمارسها السلطات التركية، ونعرب عن قلقنا إزاء احتمالية تعرض المتهمين الأتراك لممارسات التعذيب حال ترحيلهم إلى تركيا، ولا نعتقد بإمكانية إجراء محاكمات عادلة في ظل الظروف الراهنة بعد تسييس القضاء في تركيا”.
السعودية ترحل أتراكًا بتهمة انتسابهم إلى الخدمة!
ثم وقعت الحادثة الثانية الخميس الماضي (4 مايو / أيار الحالي) بعد يوم واحد من الأولي، إذ ظهر أن المملكة العربية السعودية قامت بترحيل 16 أسرة تركية مرتبطة مع حركة الخدمة إلى تركيا نزولاً عند طلب الرئيس رجب طيب أردوغان، لتتبين بذلك تلك الدولة العربية التي احتفظ موقع الزمان باسمها ولم يكشف عنها حفاظًا على سمعتها!
واعترفت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية بدور الاستخبارات التركية في هذه العملية، حيث قالت إنها زوّدت نظيرتها السعودية بالمعلومات اللازمة عن الأشخاص المشتبه بهم، ما أظهر أن الطرفين لم يلتزما بالإجراءات القانونية والخطوات القضائية، بل استخبارات البلدين بدلاً من أجهزة الأمن هي التي أشرفت على العملية. ومع أن السلطات السعودية لم تدلِ حتى اللحظة بأي تصريحات حول الحادثة، إلا أن وكالة الأناضول ذكرت “أن الأشخاص المذكورين ينظّمون رحلات حج وعمرة في المملكة، ويرسلون عائداتها إلى قياداتهم”، على حد تعبيرها وزعمها، دون تقديم أي معلومات أو وثائق تكشف مَنْ وإلى مَنْ ومتى أرسل تلك الأموال، ما عدّته أسر المتهمين دليلاً على فراغ ملف الاتهام من الأساس القانوني.
ونظرًا لأن السلطات السعودية اعتقلت 16 تركيًّا ضمن عملية أجرتها ضد تنظيم داعش الإرهابي في 15 من مارس/آذار المنصرم (2017)، من السهولة بمكان أن نستنتج أن الاستخبارات التركية قدمت لنظيرتها السعودية قائمة أسماء تضم عناصر داعش، مع إدراج أفراد حركة الخدمة المذكورين في القائمة على أنهم إرهابيون تابعون لداعش كذلك!!
اتهام كل من السعودية وماليزيا أشخاصًا مرتبطين مع حركة الخدمة بالانتماء إلى تنظيم داعش، ومن ثم إقدامهما على ترحيلهم إلى تركيا، يدل من جهة على أن الرئيس أردوغان هو “العقل المدبر” الذي يقف وراء هذه العمليات؛ ومن جهة أخرى يكشف صحة توقعات الأستاذ غولن. لكن هذه الاستراتيجية، أي: مزاعم صلة حركة الخدمة بتنظيم داعش، تنطوي على ضعف داخلي ظاهر قد يكون خفيًّا على البعض.. وهو أن هذه الاستراتيجية تعني أن أردوغان لم يستطع إقناع دول العالم، بما فيها الدول العربية، بأطروحة “منظمة فتح الله غولن الإرهابية”، فلجأ إلى الاستعانة بـ”العلاقة المزعومة بين حركة الخدمة وتنظيم داعش”!
قيمة اتهامات أردوغان!
بدءًا من 2013 حيث طفت إلى السطح فضائح الفساد والرشوة حتى اليوم، وجه الرئيس أردوغان آلاف الاتهامات لحركة الخدمة، لكن أيًّا منها لم تثبت بطرق الإثبات القانونية المعروفة، بل ظلت مجرد ادعاءات صرفة. فمع أنه يتهم حركة الخدمة بالإرهاب والعنف، إلا أنه لم يقدم منذ 5 سنوات وثائق مكتوبة أو مرئية أو مصورة تكشف أي نوع من الفعاليات الإرهابية التي شاركت فيها، والأسلحة التي عثرت عليها القوات الأمنية خلال العمليات، وما هو عدد القتلى الذين سقطوا على أيديها! بل لم تشهد تركيا أي مقاومة ضد السلطات الأمنية ولو جزئية من المعتقلين بتهمة الانتماء إلى هذه الحركة، مع علمهم بما سيلقوْن من ظلم وتعذيب في حال الزجّ بهم في السجون، ولم يتم العثور حتى على سكين ناهيكم عن السلاح أو القنبلة!
وفي هذا السياق لا بد أن ننوّه بأن التقارير الاستخباراتية التي نشرتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية حول محاولة الانقلاب الفاشلة أثبتت أن تلك الدول، التي ترسخت المؤسسات الديمقراطية فيها أكثر مقارنة ببقية دول العالم، لا تقيم أي وزن لمزاعم أردوغان المفتقرة إلى الأدلة، بل تكشف تورطه في هذه المحاولة وتعاونه مع تنظيم داعش (سنرصد هذا الموضوع في ملف مستقل إن شاء الله). غير أن هذه الاستراتيجية لا تزال تجدي نفعًا في الدول المتخلفة من حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان، وللأسف الشديد تتصدر البلدان الإسلامية هذه القائمة، والرئيس أردوغان يلعب على هذا الوتر مستغلاً العلاقات والمصالح المتبادلة.
لا شكّ أن التاريخ سيسجل لحظات الظلم الجماعي الذي تتعرض له منظمة مجتمع مدني مثل حركة الخدمة التي تميزت بسيرتها الناصعة منذ نشأتها الأولى حتى اليوم في وطنها الأصلي وبلدان العالم الأخرى. وكذلك لا ريب أن هذه الفترة المظلمة ستنتهي عاجلاً أو آجلاً لا محالة، لكن بعض الدول ستدخل صفحات التاريخ البيضاء من أوسع أبوابها بسبب مواقفها الجريئة والنبيلة، بينما ستصنف بعضها ضمن صفحاته السوداء بسبب مواقفها الداعمة أو الهزيلة.

ليست هناك تعليقات