أخبار الموقع

‏مقال رائع جدا يكشف عن خيوط مسرحية الانقلاب التي كان #أردوغان منتجها ورئيس المخابرات مخرجها ورئيس الأركان منفذها والجنود السذج ممثليها!


لنعد معًا إلى الأشهر الأولى من عام 2015، أي إلى الوراء قرابة عام ونصف عام . كان رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان قد قضى على المعارضة السياسية، وسيطر على المؤسسات الدستورية واحدة تلو أخرى، وهيمن على القضاء، وتحولت المخابرات وأجهزة الأمن إلى شركة أمن خاصة به تنفذ ما يريده، واستولى تماما على الإعلام الرئيسي وقنوات الأخبار والصحف الكبرى.
ورغم كل هذا كان أردوغان عاجزًا عن النوم في هدوء وراحة في قصره الفاخر!
فماذا لو نفذ الجنود انقلابًا!
كان هذا كابوسه الوحيد الذي يطارده في نومه ويقظته!
كان هناك كثير من المسؤولين في أجهزة الدولة المختلفة يعلمون ممارسات السرقة والنهب والفساد والخزائن السرية في الحسابات الخارجية وعمليات إخفاء الأموال الهائلة، لكنه تمكن بفضل إعلامه التستر على الفضائح التي كان من الممكن أن تطيح برئيس الوزراء من منصبه لو حدثت في أي دولة أخرى، أما الشعب فلم يكن يعلم أي شيء.
إنه ارتكب انتهاكات لا تخطر على بال بحيث شعر بالضرورة بزعزعة كل الدولة لكي لا يتزعزع هو وينقذ نفسه، وقد قام بذلك فعلاً. إذ دمر قيم الجمهورية ومواد الدستور ومبادئ العلمانية على حد سواء. ولو كانت هناك المؤسسة العسكرية القديمة لأجرت عشرة انقلابات بسبب ما شهدته تركيا. لكن المؤسسة العسكرية الحالية لم تنبس ببنت شفة على هذه الممارسات. غير أن هذا الصمت لم يكن يقلل من مخاوفه بل يزيدها، لأنه كان يعرف جرائمه.
كم كان عدد أفراد حركة الخدمة في صفوف الجيش يا ترى؟ بحسب رأي العقيد دورسون شيشاك الذي سبق أن حوكم في إطار قضية “أرجنكون” ثم خرج من السجن بتدخلٍ من أردوغان، فإن عددهم داخل الجيش لا يتجاوز 10%، فيما زعم عسكري آخر أكثر من هذه النسبة.
لو كانت حركة الخدمة قامت بالانقلاب..!
هل كان من الممكن أن تنوي حركة الخدمة تنفيذ انقلاب؟ لنفترض أن الجواب “نعم”، فلماذا انتظرت كل هذا الوقت، مع أنها تتعرض لعملية إبادة شاملة منذ عام 2013؟ كل هذه الأسئلة ظلت عالقة في ذهن أردوغان. إنه كان وجه كل أشكال الإهانات إلى الأستاذ فتح الله كولن على مدار عامي 2013 و2014، بعد أن أعرب عن تقديره واحترامه له في عام 2012، بل دعاه للعودة إلى تركيا وإنهاء غربته. لم يقم أحد في تاريخ العالم بإهانة شخص آخر علانية بهذه الخساسة وبهذا القدر من العبارات الخارجة عن الأخلاق على مدار شهور وسنوات ولا يزال. إنه كان فرحًا فخورًا وكان يخاف كثيرًا في آن واحد، لذلك كان يجر آلةَ الدولة العملاقة من ورائه ويغير بها كالمغول على مؤسسات حركة الخدمة التعليمية والخيرية والإغاثية، وينهبها ويسلبها ويمنحها للمقربين منه. فقد فصل الآلاف من أفراد المؤسسة القضائية وعشرات الآلاف من قيادات الشرطة وأفرادها، لكن لم تصدر أي مقاومة للسلطات من هؤلاء المنسوبين إلى حركة الخدمة رغم حيازتهم السلاح بواقع مهمتهم. على الرغم من كل ذلك فإن القلق لم يغادر أردوغان أبدًا. فهل كان الجنود المزعوم انتماؤهم إلى حركة الخدمة سينفذون انقلابًا بعد أن ظلوا ساكتين متفرجين أمام طرد أردوغان لزملائهم من أجهزة الأمن والتعليم والمؤسسات الحكومية الأخرى؟ وما جدوى هذه المبادرة بعد انتهاء كل شيء يا ترى؟!
الحقيقة هي أن أردوغان لم يكن يخشى من حركة الخدمة في المؤسسة العسكرية، بل كان يخاف من الجنود الكماليين الأتاتوركيين. إنه كان يجسّ نبض المجمعات السكنية التابعة للجنود ويستشعر الخطر. نعم، إن الكابوس الذي طارده كل ليلة كان الجنودَ الذين نشؤوا وأشربوا الأيدولوجيبة العلمانية الكمالية وليس المتعاطفين مع حركة الخدمة.
ومع أن الرأي العام التركي لم يكن يعلم، لكن أردوغان في الواقع كان فرض سيطرته على المؤسسة العسكرية أيضًا إلى قدر ما، من خلال رئيس هيئة الأركان العامة خلوصي أكار. لهذا كانت المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس الأركان مع صحيفة “يني عقد” المعروفة بتوجهاتها الإسلامية المتشددة من أجل تقديم تعازيه في وفاة الكاتب لديها حسن كاراكايا الموالي لأردوغان والمعروف بشتائمه أحدثت صدمة كبيرة لدى كل التوجهات الفكرية السائدة في تركيا، نظرًا لأن رئيس “الجيش الأتاتوركي” الذي بات “معقل العلمانية” في البلاد منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك كان يقدم لأول مرة واجب التعزية لصحيفةٍ كانت تهين أتاتورك صباح مساء. بالإضافة إلى أن كل القيادات العسكرية كانوا قد حضروا عرس سمية أردوغان نجلة الرئيس أردوغان.
وضْع “الأتاتوركيين” في سلة “حركة الخدمة”
ظهر فيما بعد أن رئيس الأركان خلوصي أكار كان أكبر عملية “اختراق” لأردوغان داخل الجيش. تكشّف ذلك عندما نشرت صحيفة “آيدينلك” صورة سرية غامضة قديمة ملتقطة في إنجلترا تجمع بين الرئيس السابق عبد الله جول وخلوصي أكار والكاتب الصحفي المعروف فهمي كورو تعود إلى أيام الإعدادية في مدينة قيصري مسقط رأس كل من أكار وجول. كما تبين أن أكار كان من المعجبين بالشاعر التركي الشهير نجيب فاضل الذي يعتبره الرئيس أردوغان أستاذه الأول ويقتبس منه دائمًا قصائد من أشعاره في خطاباته. فهمى كورو وعبدالله جول عملا على إخفاء هذه الصداقة بعناية شديدة. لكن كشفت الأيام القادمة أن أكار كان “إسلامجيًّا” يكتم خلفيته الإسلامية، ونجح في تسلق ذرى الجيش حتى وصل إلى منصب رئاسة الأركان تحت حماية “يد خفية” ليكون بذلك “ضمان أردوغان تجاه الأتاتوركيين” في الجيش.
كل هذه الأمور لم تكن كافية لكي ينام أردوغان بسلام وهدوء في قصره، حيث كان يسيطر عليه شك وقلق من احتمالية إقصاء أكار وتنحيته؟ ماذا لو حدث تمرد من الجنود ذوي الرتب العسكرية المنخفضة؟
ولذلك ما كان بمقدور أردوغان أن يشعر بالسكينة والاطمئنان قبل تصفية الجناح الأتاتوركي داخل الجيش. ولا شك في أن أفضل وأسهل وأرخص طريق لتحقيق هذا الهدف كان وضع الجنود الأتاتوركيين في سلة واحدة مع المنتسبين إلى حركة الخدمة! فإذا ما نجح في هذا فإنه كان سيتخلص من كل المخاطر المحتملة في المؤسسة العسكرية بفضل “ورقة حركة الخدمة” من دون أن يثير جدلا في الرأي العام.
الحل الوحيد “انقلاب تحت السيطرة”
كان يتوجب على أردوغان وجماعته تنفيذ محاولة انقلابية مدبرة تحت السيطرة. كان رئيس الجمهورية أردوغان ورئيس الأركان أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان يشكلون “الركائز الثلاث” لهذا الحل. ومن ثم شرعوا في ترجمة “مشروع الانقلاب” إلى أرض الواقع خطوة بخطوة. وقد نجحوا في الدعاية والإعلان أيما نجاح بحيث استطاعوا حتى جمع المعارضة في مدرجاتهم وصفوفهم أيضًا. أردوغان كان المنتج، وفيدان المشرف، ولم يبق لـ”أكار” إلا التنفيذ! في حين أن الأداء والتمثيل فكانا من نصيب الجنود الأبرياء الذين لم يكونوا يعلمون شيئًا عن هذه المسرحية المرعبة. أما الفاتورة الدموية لهذا الإنتاج فدفعها 249 شهيدًا من المواطنين المدنيين الذين ظنوا أنهم يتصدون للانقلاب وهؤلاء الجنود الأبرياء الذين قتلتهم بوحشية مليشياتٌ شبه عسكرية تابعة لحزب أردوغان مندسة بين أفراد الشعب.
التطورات الراهنة
لا توجد جريمة متكاملة لا قصور ولا نقص فيها، وهو ما حدث بالفعل في الانقلاب المسرحي. إذ بدأت الأخطاء التصويرية في التكشف واحدة تلو أخرى، فما صرح وأخفى خلوصي أكار في رسالته إلى لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية بمثابة اعترافٍ يكشف النقاط الخفية للفيلم. حيث يقول أكار في رسالته التي اضطر لإرسالها في اللحظة الأخيرة إلى اللجنة نتيجة ضغوط الرأي العام بعد أن أبى لمدة طويلة “بحسب اقتناعي، فإن الإجراءات التي اتخذناها أفزعت الخونة وكشفت عن مخططهم مبكرًا بعد أن أجبرتهم على تقديم موعد الانقلاب الذي كانوا يعتزمون تنفيذه في تمام الساعة الثالثة ليلاً، وفق ما بينه المتهمون في وقت لاحق”.
يا له من نجاح! بل هو العجز عينه عن عرقلة محاولة انقلابٍ تلقوا بلاغًا عنها قبل أكثر من 12 ساعة من انطلاقه والعمل على تقديم موعدها! بل إنه كان انقلابًا تحت السيطرة.
مئات من الأخطاء التصويرية!
السؤال الأول: ما الإجراءات التي اتخذها أكار؟
أو بالأحرى ما هي الإجراءات الأخرى التي اتخذها أكار ما عداء إرسال القيادات العسكرية إلى حفل زفاف رغم علمه المسبق بمحاولة الانقلاب؟!
السؤال الثاني: كان قائد القوات الخاصة ذكائي أكسكالي قال للجنة التحقيق البرلمانية في الانقلاب “في حال تلقى الجيش بلاغًا عن وجود أزمة أو حالة طارئة، فإن أول خطوة احترازية يتخذها هي إصدار أمر للجنود بالتزام ثكناتهم وعدم الخروج منها. فلو كانت طُبّقت هذه القاعدة الأساسية في الخامس عشر من يوليو/ تموز لانكشفت المحاولة الانقلابية وانتهت قبل اندلاع الأحداث”. إذًا لماذا تسبب أكار في مقتل عشرات الجنود بعدم اتخاذ هذه الخطوة البسيطة؟
السؤال الثالث: طالما أن الإجراءات المتخذة “أفشلت  الانقلاب”، كما زعم أكار، وطالما أن أردوغان كان على علمٍ بـ”التحركات” داخل الجيش في ساعات الظهيرة، كما بين هو نفسه، فهل تعمد (أردوغان) دعوة المواطنين المدنيين إلى نزول الشوارع مساءً ليتصدوا لانقلاب مفشول؟!
السؤال الرابع: ما الذي بحثه أكار وفيدان في لقاء ثنائي جرى بينهما قبل يوم واحد من الانقلاب أي في 144 تموز 2016 واستغرق 6 ساعات؟
لا مرية في أن أصحاب العقول الحرة أدركوا جيدًا أن أحداث 15 تموز كانت “انقلابًا تحت السيطرة” و”مؤامرة متكاملة الأركان”.
لقد قدَّم خلوصي أكار “الجيش” لأردوغان في طبق من ذهب كي ينعم بنوم هنيء، وهو بدوره أكله حتى آخره، وتحولت تركيا اليوم في ظل حالة الطوارئ إلى دولة ديكتاتورية بحتة.
والآن يستطيع أردوغان أن ينعم بنوم هنيء في قصره الفاره بفضل ما قام به، لكن جاء الدور الآن – للأسف – على ملايين الأبرياء من ضحايا انقلابه المسرحي لكي

ليست هناك تعليقات