هآرتس الإسرائيلية: تحرير الرقة هو مسألة أيام وليس أسابيع، وأردوغان خرج خالي الوفاض من المعركة
تقارير قيادة قوات سوريا الديمقراطية، التي تتحدث عن بدء عملية تحرير الرقة، عاصمة الدولة الاسلامية (داعش) في سوريا، متفائلة. “تحرير الرقة هو مسألة ايام وليس اسابيع″، قال مسؤول كردي في صفحته على الفيس بوك التي تؤيد هذه القوات. وحسب تقارير اخرى فان القوات تتوقع أن يكون التقدم سريعا، خلال يومين، وأن هذه القوات تبعد حوالي كيلومترين عن مركز المدينة. هذه التقارير تشبه الى درجة كبيرة التقارير التي كانت تصدر في الاسابيع الاولى من معركة الموصل في العراق، ويمكن التعامل مع مصداقيتها ايضا بالمثل.
الموصل لم تتحرر بعد بشكل كامل من أيدي داعش، وفي الجزء الغربي منها تجري معارك شديدة بين قوات الجيش العراق ومليشيات شيعية وبين قوات داعش. من الصحيح أن الرقة في شرق سوريا ليست بمساحة الموصل، وعدد سكانها يبلغ حوالي 300 ألف (أكثر من مليون شخص في المواصل)، لكن كلما تقلص هامش الحياة لدى داعش كلما زاد تصميمه على الحفاظ على ممتلكاته. طريقة تحصن قوات داعش في الرقة تشبه الى درجة كبيرة الطرق الدفاعية التي اعتمدها في الموصل. العبوات الناسفة، الألغام، الشقق المفخخة والسيارات المفخخة. وهذا جزء لا يتجزأ من القدرات العسكرية التي تهدف الى كبح تقدم القوات المهاجمة وتكبيدها خسائر كبيرة. إن منع هرب المواطنين وعمليات الاعدام من شأنها تعزيز الدرع البشري الذي يختبيء وراءه مقاتلو داعش. يستخدم داعش ايضا طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للطائرات. ولكن قتاله يتركز على المواجهات في المناطق المأهولة بالسكان والمباني.
مثل الموصل، فان الحرب ضد داعش في الرقة تعتمد على الدمج بين القوات المحلية والمظلة الجوية لقوات التحالف، خاصة سلاح الجو الامريكي، لكن القوات الكردية التي تشارك في الحرب في سوريا تثير الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة.
لقد عارضت تركيا منذ البداية مشاركة الاكراد في الحرب ضد داعش. وخاصة عملية التسلح الكبيرة لهم من قبل الامريكيين. لكن اللقاء بين الرئيس التركي اردوغان وبين الرئيس الامريكي ترامب في 16 ايار الماضي، اعتبره المتهكم التركي المعروف، جانجيز تشاندار، “زيارة غير ناجحة أبدا في واشنطن”، في مقال نشره في موقع المونيتور. وقد كتب تشاندار أنه على طاولة النقاشات للرئيسين وضعت ثلاث قضايا مركزية: تغيير سياسة ترامب تجاه “قوات الدفاع الشعبي التركي”، وهي المليشيا الكردية في سوريا. واعتبارها منظمة ارهابية، وتسليم فتح الله غولن لتركيا. وهو الداعية التركي الذي يعيش في الولايات المتحدة وتتهمه تركيا بالمسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016، واطلاق سراح رضا زراب، رجل الاعمال الذي له علاقة بقضايا فساد تورط بها وزراء في الحكومة التركية، وكذلك اشخاص من عائلة اردوغان.
اردوغان خرج خالي الوفاض في القضايا الثلاثة. ليس فقط لأن ترامب رفض اعتبار الاكراد ارهابيين يتعاونون مع “حزب العمال الكردستاني”، بل ايضا زاد من تسليح “قوات سوريا الديمقراطية” التي تتشكل في الاساس من قوات كردية سورية. تحذيرات اردوغان من أن هذا السلاح قد يستخدم ضد تركيا بعد سقوط داعش، أو انتقاله الى منظمات ارهابية اخرى، لم تترك أي انطباع لدى الرئيس ترامب الذي يرى أمامه حرب واحدة فقط، وهي الحرب التي تجري ضد داعش. وقد نتج عن هذا الخلاف اعلان تركي تحذيري جاء فيه أن تركيا سترد بقوة اذا رأت بأن الحرب في الرقة تهدد أمنها. إن هذا التحذير موجه الى البيت الابيض أكثر من كونه موجها للاكراد. أي أنه “لا يمكن محاربة منظمة ارهابية واحدة من خلال تقوية منظمة ارهابية اخرى”، كما قال رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم.
لكن الخلاف بين تركيا والادارة الامريكية قد يكون معركة جانبية أقل أهمية مقابل غياب خطة متفق عليها للمرحلة التي تلي الانتصار على داعش في الموصل والرقة. الصعوبة الفورية هي ماذا ستكون استراتيجية داعش بعد أن يتم طرده من المناطق التي تركز وجوده فيها. هل سيعود الى التصرف مثل تنظيم القاعدة ويتبنى تكتيك العملية المركزة في الدول العربية والدول الاوروبية؟ الى أين سيذهب متطوعوه الذين هم ليسوا من مواطني العراق أو سوريا، وهل سيؤدي سقوطه الى نشوء منظمات محلية جديدة في الدول المجاورة؟.
الاجابة على هذه الاسئلة سيكون لها تأثير حاسم على مستقبل المنطقة. اذا انتشر داعش في ارجاء الدول العربية، ستضطر الانظمة العربية الى محاربة منظمات الارهاب بشكل مستقل، قياسا مع الحرب الحالية، التي تخوض القوى العظمى جزء اساسي منها. صحيح أن جميع الدول العربية تقريبا تخوض صراعا متواصلا منذ عشرات السنين، سياسي وعسكري، ضد المنظمات التي تعمل على اراضيها. ولكن طالما نسبت العمليات في هذه الدول لداعش، كلما كان باستطاعة الزعماء العرب القول إن المشكلة ليست محلية بل دولية – وتقديم الوعود للمواطنين بأنه في لحظة القضاء على داعش سيتراجع الارهاب المحلي.
إن انتقال الحرب الى الساحة المحلية سيؤثر على استقرار وقدرة هذه الدول، وبالتالي ستفرض هذه المنظمات برنامج العمل اليومي السياسي والاقتصادي. وعند مواجهة هذه الدول للتهديدات المحلية لا يمكنها أن تلقي المسؤولية على التحالفات العسكرية مع دول اخرى في الشرق الاوسط أو في الغرب. العراق وسوريا تحولتا الى ساحة للحرب الدولية بسبب داعش، وتوجد هناك شرعية عالية، كل تدخل اجنبي، عربي أو غربي، في الشؤون الداخلية لأي دولة سيثير اعتراض الجمهور الواسع.
مسألة اخرى مقلقة ستكون الصراع من اجل السيطرة على المناطق التي سيتم تحريرها من داعش في سوريا والعراق. جهود روسيا للتوصل الى تفاهمات اولية بين المتمردين وبين النظام لم تنجح الى الآن، ولا توجد أي اشارات على حدوث انعطافة في الفترة القريبة. هذا الجهد لا يرتبط بالانتصار على داعش، بل بسد الفجوات الداخلية بين المليشيات فيما بينها، وبين المليشيات والنظام. الخارطة الملونة التي تصف تقدم قوات النظام السوري ونجاحاته في نصف العام الماضي، والانتصار في حلب ايضا، لم تساعد حتى الآن في الحسم العسكري أو استعداد المليشيات لتقديم تنازلات سياسية. وكذلك الموافقة المبدئية على اقامة مناطق آمنة، تنتظر رسم الخرائط التي ستحدد هذه المناطق.
ليست هناك تعليقات